تدبير التنمية والانتخابات المحلية

الجمعة، 26 يونيو 2009

عادة ما كان يتم إسقاط مخططات التنمية المحلية أو الجهوية من أعلى منصات ومكاتب أصحاب المعالي والسيادة في غياب مطالب ومقترحات من يهمهم الأمر لتكون النتيجة في غالب الأحيان فشلا ذريعا على مختلف المستويات والأصعدة.

لكننا اليوم وبفضل الإستراتيجية الجديدة لأصحاب المعالي والسيادة في هذا الوطن الجميل، وفي إطار التقسيم الترابي للجماعات المحلية، أصبح إدماج الساكنة المحلية في التنمية ضروريا وملحا في تدبير هذه العملية وذلك عبر ممثليهم المنتخبين.

وقد جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لتزكي هذا التوجه الحصيف في مسار الدولة رغم العقبات التي ما زالت تقف في وجه هذا المشروع الكبير.

وتبقى عقلية الراعي والرعية من أكبر هاته العقبات التي تعترض هذا السبيل. عقلية الراعي الذي يمثله المخزن بكل ثراته الاستبدادي في حفريات الذاكرة المغربية وعقلية الرعية التي تنتظر كل شيء من هذا الراعي ولا تأخذ بزمام المبادرة إلا تحت وصايته.

فما زال ممثل السلطة المركزية (العامل أو الوالي) يمثل أعلى هيئة محلية يعود لها قرار تدبير و تنفيذ مشاريع التنمية المحلية أوالجهوية وما زالت الداخلية تملك بزمام المبادرة الفعلية في الانتخابات المحلية رغم الحياد الذي تدعيه أجهزتها ما دامت الخريطة السياسية تعد سلفا قبل انطلاق العملية الانتخابية، ولعل هاته الأسباب وغيرها هي التي تكمن وراء عزوف المواطنين عن ممارسة حقهم في اختيار مرشحيهم في مختلف الاستحقاقات الفارطة ، فرغم التأكيدات المتواصلة على تزايد نسبة التصويت في الانتخابات الجماعية لسنة 2009 إلا أن الواقع يكاد يكذب هاته التأكيدات خاصة وأن عددا من المترشحين في مختلف الأحزاب المتنافسة قد تم تجنيده فقط لإكمال العدد المطلوب في اللائحة والتي ضمت مختلف المهن المعترف بها في الأسواق من جزار وبقال وخياط وكأن الهدف هو تكوين سوق محلية وليس المساهمة في التنمية المحلية ناهيك عن بعض الطلبة والعاطلين الذين يبحثون عن عمل عبر الحملة الانتخابية، هذا دون النظر إلى عدد من وكلاء اللائحة المطعون في عدالتهم بالإجماع. وفي غياب أي مشروع واضح للتنمية فإن الصراع يبقى مفتوحا بين المتناقضات، وحتى بعد انتهاء العملية فإن هذا الصراع يستمر باستراتيجيات أخرى أغلبها يتم في الكواليس بعيدا عن الأضواء، حيث ترتفع مرة أخرى أسهم المنتصرين في أسواق بيع وشراء الذمم الرخيصة في غياب حقيقي لأي تفكير جدي وواع بمستقبل التنمية المحلية والتي تنطلق أساسا من الوعي والالتزام بمدارك هذا الوعي.

ويبقى تحدي تغيير العقلية الشائعة من أكبر التحديات التي يواجهها المغرب ولقد سبقته إلى ذلك عدد من البلدان التي وصلت الآن إلى مصاف الدول العظمى بعد نضال طويل.

ولأن الأمر لا يبدو مستحيلا خاصة وأننا نسير على خطى هاته الدول منذ زمن بعيد وهناك فعلا إرادة متبادلة للتغيير والخروج من مستنقع التخلف والرجعية فإن الرهان يبقى كبيرا على المستقبل القريب وخاصة مع رجال التنمية الذين تقيدت الدولة بإشراكهم في تدبير هاته العملية وذلك عبر تأهيل عدد من الفاعلين في مجال التنمية البشرية في مختلف التخصصات مما قد يساهم فعلا في تطوير هذا المجال والحد من المتطفلين والانتهازيين داخله. بيد أن هذه العملية ما زالت بعيدة نوعا ما ما دام رجل التنمية الموعود بعيدا عن سياق الأحداث المتسارعة داخل هاته الحلبة ومادامت تنقصه الجرأة و الإستقلالية في قيادة عملياته بعيدا عن وصاية المخزن أو طموحات الإستثماريين ومكاتب الدراسات الإستراتيجية..

وإلى أن يأخذ الفاعلون في التنمية مواقعهم الحقيقية في القيادة ما زالت هناك جهود كبيرة لإعادة بناء الثقة أولا بين الناس والمخزن وإعادة الثقة لهم في أنفسهم ثانيا حتى يكون التعاون مثمرا ولا تضيع الجهود سدى، ولكي تكون النتائج فعلا وفق المطلوب يجب أيضا تفعيل المحاسبة والمتابعة على مختلف الأصعدة.

وتبقى الآمال قائمة للتغيير الفعلي ما دامت توجد نيات صادقة وعزائم قوية للتغيير فالخير في أمتي إلى يوم القيامة كما قال رسول الله (ص).