في كثير من الأحيان قد نتجاوز كلام السفهاء بالصمت الحكيم, ولكن..وعندما يتكلم من نعده من العلماء بما يحز في النفس من الكلام الذي يجتره بعض المستمعين, فإن الأمر يتطلب أكثر من موقف دفاعا عن قيم الحقيقة والتواصل البناء الذي نريد, وحتى لا يقوض هذا الكلام إذا كان مجانبا للصواب جهود سنين من التقارب وآمالا عريضة للم الشتات, خاصة إذا صدر هذا الكلام من أحد رموز الاعتدال والعقلانية في الفكر الديني وهو العلامة الدكتور يوسف القرضاوي والذي لا يحسن به أن يعرض سمعته للاهتزاز في العالم الإسلامي بمختلف مذاهبه حتى لا يكون مسعر فتنة قد لا تقف آثارها على المدى القريب ناهيك عن أن جزءا من هاته الطائفة التي شن عليها الدكتور هجومه المستغرب ما زالت تحمل لواء المقاومة ضد أعداء الأمة, وتسجل انتصاراتها بحروف من ذهب في صحف التاريخ المعاصر.
لا أدري لماذا لم يخرج الشيخ من قبل مثل هذا الكلام الذي يتهم فيه الشيعة بدون استثناء بسب الصحابة والابتداع في الدين وقد حل ضيفا على أكثر من قناة للطرف الآخر وتدارس العديد من نقاط الوفاق والخلاف بين هذين المذهبين مع الكثير من علمائهم و مفكريهم, وقبل عام تقريبا عرضت الجزيرة حواره المفتوح مع الشيخ رفسنجاني أحد أكبر المسؤولين في الجمهورية الإسلامية حيث دعا فيه الإثنان إلى الوحدة ونبذ العنف الطائفي والإنفتاح على الآخر بتبني سياسة الحوار، أم أنه أبى إلا أن يبوح بما كان يعتمل في صدره منذ زمن..
لقد طال هذا الصراع المذهبي أكثر مما يجب وهو لا و لم يخدم في أي وقت من الأوقات ديننا الحنيف بل على العكس من ذلك فقد كان سببا لبث الفرقة و التناحر بين أبناء الدين الواحد ومنفذا يسيرا لأعداء الإسلام والمسلمين.
أما عن الاتهامات الجاهزة و التي تكال إلى الشيعة بين الفينة والأخرى دون تحقيق فمعظمها كانت من اختلاق السلطات التاريخية التي حاربت هذا المذهب بشتى الوسائل, فقط لأن أتباعه كانوا يدعون إلى الرضا من آل محمد(ص) الذين هم أهل البيت(ع) الذين طهرهم الله في القرآن ووصى نبينا المصطفى(ص) بموالاتهم والتمسك بهديهم, بيد أن البعض قد آثر السلطة وحب الرياسة على الإلتزام بالوصية.
لقد سجل التاريخ عدة أخطاء قد وقع فيها الكثير من الصحابة ممن يدعي معظم أهل السنة عدالتهم على السواء بدءا من طريقة اختيار الخليفة الأول أبي بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة وما وقع في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب من اجتهادات قد خالف فيها الكثير من النصوص الشرعية وتنصيب الخليفة الثالث عثمان بن عفان بني عمه من الأمويين على ولاية المسلمين حتى ضج الناس من حوله وأشعلوها ثورة كان هو أول ضحاياها واختلطت بعدها دماء المسلمين بما فيهم الصحابة في معارك ضارية (الجمل,صفين,النهروان..) تجاوز عدد القتلى فيها من الطرفين جميع الشهداء الذين سقطوا منذ فجر الدعوة, فعلى من نحسب كل هاته الدماء؟ ومن كان على الحق ومن كان على الباطل؟ وهل بعد كل هذا ما زلنا نجزم ونتمسك بأن جميع الصحابة عدول في أقوالهم وأفعالهم؟
أما عن تهمتي السب والتكفير اللتين تحمل الشيعة تبعاتهما فإن أول من استعمل هاته الورقة هو الصحابي معاوية ابن أبي سفيان عندما أمر بلعن الإمام علي من على منابر الخطبة وتابع بالقتل والتنكيل كل أتباعه, وهكذا اعتبرهم فقهاء السنة الموالين لبني أمية زنادقة خارجين عن الملة وألصقوا بهم شتى أنواع التهم البغيضة حتى اضطروا إلى استعمال التقية للحفاظ على وجودهم و على المنهج الإسلامي الصحيح الذي تكلف أهل البيت عليهم السلام بتفصيله للأمة والذين يهمل أهل السنة وجودهم مع أن بعض أئمتهم قد تتلمذ على أيديهم كأبي حنيفة النعمان ومالكا بن أنس الذين تتلمذا على يد الإمامين الباقر وابنه الصادق(ع) الذين ملآ الأرض في عصرهما علما وفقها وزيناها خلقا وأدبا..
فهل كان هذان الإمامان الجليلان يلقنان البدع لأتباعهم ويفردون فقهاء أهل السنة بدرر الكلام وأصول الاجتهاد؟ أم أنهم كانوا يمارسون التقية مع فقهاء العامة كما يدعي البعض؟
وإذا كان الدكتور الثائر يتهم الشيعة بالإبتداع في الدين فليحدد هاته البدع بعينها وليرفع الأمر إلى مراجع الطائفة مباشرة..لا أظن بأن أحدا منهم سيبخل عليه وعلى أنصاره بالأجوبة المؤيدة بعشرات الأدلة المثبتة في كتب القوم من مختلف المراجع السنية والتاريخية المعتمدة عند كلا الطرفين, ولعل العالم الجليل وشيخ الأزهر سابقا السيد سليم البشري قد أدرك هاته الحقيقة قبيل وفاته بصدر رحب من خلال محاوراته الشيقة مع السيد شرف الدين الموسوي العاملي والتي صدرت تحت عنوان المراجعات فأعلن فتواه مدويةآنذاك بجواز التعبد بالمذهب الجعفري الذي يدين به الشيعة الإمامية حيث تأسست إثر ذلك جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية ولولا تشويش البعض من أصحاب المصالح الخفية والعقائد المنحرفة على مسيرة هذا الإنجاز الكبير لعم هذا التوافق في كل العالم الإسلامي..
فمتى يحين الوقت لندع هذا التعصب الأعمى, ونترك للعقل المتنور والفكر الحر دراسة هاته الأحداث وتلك المعطيات بحيادية وتجرد. سترون بأن الكثير من الأكاذيب والتهم الجوفاء سوف تتلاشى وتسقط معها الكثير من الأقنعة التي تسعر الفتنة وسنكتشف معا مدرسة أخرى من ينبوع النبوة ونفتح آفاقا أخرى للحوارالبناء والتواصل المثمر..
وختاما,نتوجه بالدعاء للعلي القدير بأن يجمع شمل هاته الأمةعلى الحق و ينصرهم على من عاداهم ويخزي كيد الكائدين,آميــــن