سؤال التاريخ

الأربعاء، 27 غشت 2008
من كتب التاريخ؟ و لمن؟
إنه سؤال وجيه قلمن يطرحه على نفسه..ذلك أن الأغلبية الساحقة من قرائنا الأعزاء تقبل كل ما جاء في أسفار التاريخ من قصص و روايات دون تمحيص بل الأعجب من ذلك أن هناك من يحمل الحقيقة و نقيضها في نفس الآن و يبررهما معا دون أن يحدث له ذلك عسرا في الفهم وكأن الحدث قد وقع مرتين..؟
أما الذين يريدون إراحة عقولهم من البحث و التنقيب فهم ينصرفون عن هاته المادة بدعوى زيف الحقائق التاريخية ويا ليتهم ينصرفون فعلا ويتركون الأمر لأهل الاختصاص.ذلك أنهم يعودون من باب آخر تتزيى به الحقائق المغلوطة بلباس الدين فتراهم يدافعون عن كل ما جاءت تؤيده روايات سلفهم لا يوقفهم في سعيهم اضطراب في المعنى أو شذوذ في السرد ضاربين بعرض الحائط كل محاولة للنقد أو التصحيح مهما بلغت حججها من قوة وإقناع فلا صوت يعلو على صوت الشرع؟
إن دراسة التاريخ بوعي جاد و فكر منفتح على الآخر لهي خطوة حقيقية إلى الأمام نحو الوحدة الإسلامية التي ينادي بها الكثير و لا يعمل في سبيلها إلا القليل..ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتجرد عن هوى النفس و الابتعاد عن الطائفية المقيتة وتحرير العقل من قيود الوهم و التبعية بالأخذ بأسباب النقد البناء و بعيدا عن استصدار الأحكام الجاهزة ذلك أن الحقيقة الكاملة لا يملكها أحد بين البشر..
و خير دليل على ذلك أننا و رغم توافر كل أنواع وسائل الإعلام و دخول العالم ألفيته الثالثة ما زلنا نعيش طمس العديد من الحقائق و الأحداث القريبة العهد فلا يصلنا منها إلا ما أذنت به رقابة السلطة و باركته أبواقها ومن تجاوز الخط الأحمر يدخل في دوامة التضليل فما بالك بالتي مضت عليها قرون من الزمن الغابر حيث كان الحاكم وحده من يملك الحق في كتابة التاريخ وصياغة أمجاده العظيمة طبعا كما يشاء؟
وقد صدق من قال إذا كانت السلطة تصنع التاريخ والتاريخ يصنع العقل فإن السلطة تصنع العقل..فلا ريب اليوم أن عقولنا هي من صناعة قرون الاستبداد و أزمنة الانحطاط التي مرت بها أمتنا لذا فأي محاولة لإعادة إنتاج الماضي ولو بألوان زاهية و أحلام زائفة هي محاولة محكومة سلفا بالفشل ذلك لأن الماضي الحقيقي لا يشبه بأي حال من الأحوال ما رسمته لنا يراع كتاب البلاطات و قصاصو ألف ليلة وليلة..فتاريخنا و للأسف مفعم بالنكات السوداء التي سقطت عمدا في الجانب المظلم منه و لبثت هناك تتحكم في اللاوعي الجمعي لفئة عريضة من الحالمين بل و أقامت سدا منيعا لدخول أي شعاع من الحقائق الأخرى و التي أصبحت منبوذة و غير مقبولة فقط لأننا لا نريد أن نستفيق من حلم جميل على محاكمات أسلافنا مهما بلغت أخطاؤهم أو شدت مزالقهم..لكننا اليوم في أمس الحاجة لهاته المحاكمات لأنها خطوة أساسية لمعالجة أخطاء الماضي التي شرعنتها السلطات التاريخية بشتى الطرق- وخاصة باستعمال الدين- لتصبح جزءا لا يتجزأ من الصواب..ذلك أن أي خطوة إلى الأمام تحتاج إلى خطوات كبيرة إلى الوراء..